الجمعة، 9 أبريل 2010

مفهوم المنهج الإشراقي في الفكر الإسلامي

الإشراق في اللغة: الإضاءة ، يقال أشرقت الشمس طلعت وأضاءت، والإشراق في كلام الحكماء : ظهور الأنوار العقلية ولمعانها وفيضانها على الأنفس الكاملة عند التجرد عن المواد الجسمية، وتختلف الحكمة الإشراقية عن الفلسفة الأرسطية بأنها على الذوق والكشف والحدس في حين أن الفلسفة الأرسطية مبنية على الاستدلال والعقل.
ويشير الجرجاني في التعريفات إلى أن الإشراقيين طائفة رئيسهم أفلاطون، ويذكر أحد الإشراقيين تعريفا لفلسفته فيقول : إنها الحكمة المؤسسة على الإشراق الذي هو الكشف أو حكمة المشارقة الذين هم أهل فارس وهذا يرجع إلى تعريف الجرجاني لأن حكمتهم كشفية ذوقية فنسبت إلى الإشراق الذي هو ظهور الأنوار العقلية ولمعانها وفيضانها بالإشراق على النفوس عند تجردها، وكان اعتماد الفارسيين في الحكمة على الذوق والكشف، وكذا قدماء اليونان عدا أرسطو ومن معه فإن اعتمادهم كان على البحث والبرهان لا غير.
ولا ينكر الإشراقيون قيمة المصادر الأخرى للمعرفة، بل يعترفون ولو نظرياً بقيمة ما تقدمه من معرفة في مجالات وحدود معينة من المعرفة، فيرون أن الحس مصدر للمعرفة له ميدانه، والعقل مصدر آخر له ميدانه أيضاً، والوحي الذي جاء به الأنبياء مصدر ثالث.
ويترتب على ما تقدم :

• أن الإشراق هو مصدر الحكمة الإشراقية وانه يتضمن ظهور الموجود أي تأسيس وجوده، وهذا الظهور هو عملية إدراكية للنفس المستعدة للكشف.
• هناك ترادف بين لفظ (إشراقي)و(مشرقي)، فيمكن فهم الإشراق بالإضافة إلى المعنى الأصلي على أنه حكمة المشرقيين أي الشرقيين الذين يقعون جغرافياً في الشرق ويقصد بهذا الإشارة بلاد فارس.
• ويمكن ضم المفهومين الأول والثاني إلى بعضيهما ونقول بأن حكماء فارس المشرقيين تقوم فلسفتهم على الكشف أو ظهور الأنوار العقلية للنفوس بعد تجردها.
وعلى هذا تقوم الفلسفة الإشراقية في مقابل المشائية.
وهذا الفلسفة وإن كانت لها جذور متأصلة في عمق التاريخ إلا أنها في نظري برزت وصار لها أعلامها في الحضارة الإسلامية، حيث إنها وجدت أرضا خصبة في المذهب الصوفي والذي استطاعت من خلاله أن تثبت نفسها فلسفة ومنهجا رئيسا من مناهج الفكر في الحضارة الإسلامية.
ويعد شهاب الدين السهروردي المقتول سنة 586هـ أبو الفلسفة الإشراقية في الحضارة الإسلامية، ونستطيع ردّ مجمل العناصر التي اعتمدها السهروردي في تشييد فلسفته إلى ثلاثة أصول رئيسية: الأصلان الإسلامي واليوناني والأصل الفارسي.
الأصلان الإسلامي واليوناني:
يتضمن الأصل الأول مرتكزات الفكر الإسلامي ذات الطابع الصوفي ـ الفلسفي، وينطوي الثاني على مصادر الفكر اليوناني كما عرفها الفلاسفة العرب، وكما تطورت على أيديهم في ثلاثة قرون. يقول السهروردي في مقدمة رسالته «كلمات الصوفية»: «كل دعوى لم تشهد بها شواهد الكتاب والسنة، فهو من تفاريع العبث»، وذروة التجربة الصوفية لديه، هي بلوغ «التوحيد» في أعلى مراتبه. ومعلوم أن ثمة فرقاً بين توحيد أهل السنة والمتكلمين القائم على «معرفة الله تعالى بالوحدانية وبأسمائه وصفاته» وبين توحيد الصوفية. ونبين معنى التوحيد عند الصوفية من كلام السهروردي في قوله لأحد مريديه: «واقرأ القرآن كأنه ما أنزل إلا في شأنك فقط». وفحوى التوحيد الصوفي: توحيد الله لنفسه على لسان أوليائه. ويقرر السهروردي أن معنى التوحيد أمر متفق عليه بين متقدمي الحكماء ومتأخريهم، وأن اختلافهم إنما هو في الألفاظ.
أما الأصل اليوناني فأننا نختصره في أن السهروردي إنما بدأ حياته مشائياً، ولكن بعد أن نضج عقله، بنى على الفلسفة المشائية حكمة الإشراق والتجربة الصوفية. ولعله أكمل ما بدأه الفارابي من توحيد بين أرسطو وأفلاطون من جهة وبين النبي والفيلسوف من جهة أخرى، وساهم في ذلك أيضا ابن سينا، فطور نظرية الفيض وأرسى دعائم الفكر الإشراقي.
أما الأصل الثالث وهو الأصل الفارسي فإنه ظاهر الوضوح في فكر وفلسفة الإشراقيين وعلى رأسهم السهروردي ولعل مسألة مصدرية المعرفة هي أهم وجه من أوجه العلاقة بينهما.
ذكر بعض المفاهيم المرتبطة :
• الكشف : هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجوداً أو شهوداً.
• الذوق : نور عرفاني يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه، يفرقون به بين الحق والباطل، من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب.
• البصيرة : مصدر المعرفة في الإنسان الصوفي وهي الملكة التي ترى حقائق الأشياء وبواطنها، كما يرى البصر ظواهر الأشياء المادية، وهي مورد الإلهام وموطن الإشراق، ومصدر الكشف والذوق.

المراجع :
1- المعجم الفلسفي لجميل صليبا.
2- مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي لعبد الرحمن الزنيدي.
3- أصول الفلسفة الإشراقية لمحمد علي أبو ريان.
4- مناهج البحث عند مفكري الإسلام لعلي النشار.

هناك تعليق واحد:

إرسال تعليق