الجمعة، 22 يناير 2010

قراءة في كتاب فجر الإسلام

قراءة في كتاب فجر الإسلام لأحمد أمين

من هو أحمد أمين؟؟
أحمد أمين أديب ومفكر ومؤرخ وكاتب موسوعي بدأ حياته أزهريا، واستطاع بعد محاولات أن يخلع هذا الزي، ثم عمل مدرسا بمدرسة القضاء الشرعي سنوات طويلة، ثم جلس على كرسي القضاء ليحكم بين الناس بالعدل، فصار العدل رسما له إلى جانب رسمه، ثم أصبح أستاذا بالجامعة، فعميدا رغم أنه لا يحمل درجة الدكتوراة، ثم تركها ليساهم في إنشاء أكبر مجلتين في تاريخ الثقافة العربية هما: "الرسالة"، و"الثقافة"، ثم بدأ رحلة من البحث والتنقيب في الحياة العقلية للعرب، فجاء بعد عناء طويل بـ"فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظُهر الإسلام".
كانت المعرفة والثقافة والتحصيل العلمي هي الشغل الشاغل لأحمد أمين، حتى إنه حزن حزنا شديدا على ما ضاع من وقته أثناء توليه المناصب المختلفة، ورأى أن هذه المناصب أكلت وقته وبعثرت زمانه ووزعت جهده مع قلة فائدتها، وأنه لو تفرغ لإكمال سلسلة كتاباته عن الحياة العقلية الإسلامية لكان ذلك أنفع وأجدى وأخلد.
امتازت كتاباته بدقة التعبير وعمق التحليل والنفاذ إلى الظواهر وتعليلها، والعرض الشائق مع ميله إلى سهولة في اللفظ وبعد عن التعقيد والغموض ، فألّف حوالي 16 كتابا كما شارك مع آخرين في تأليف وتحقيق عدد من الكتب الأخرى، وترجم كتابا في مبادئ الفلسفة.
أما شهرته فقامت على ما كتبه من تاريخ للحياة العقلية في الإسلام في سلسلته عن فجر الإسلام وضحاه وظهره، لأنه فاجأ الناس بمنهج جديد في البحث وفي أسلوبه ونتائجه فأبدى وجها في الكتابة التحليلية لعقل الأمة الإسلامية لم يُبدِه أحدٌ من قبله على هذا النحو لذلك صارت سلسلته هذه عماد كل باحث جاء من بعده ، فالرجل حمل سراجًا أنار الطريق لمن خلفه نحو تاريخ العقلية الإسلامية.
غير أنه كتب فصلا عن الحديث النبوي وتدوينه ووضع الحديث وأسبابه، لم يتفق معه فيه بعض علماء عصره العظام مثل: الشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور مصطفى السباعي، فصوبوا ما يحتاج إلى تصويب في لغة بريئة وأدب عف، وقرأ أحمد أمين ما كتبوا وخصهم بالثناء، إلا أن البعض الآخر قال: إنه تلميذ المستشرقين واتهموه بأنه يشكك في جهود المحدثين.
والواقع أن كتابا كـفجر الإسلام عن تاريخ الحياة العقلية في الإسلام منذ ظهوره وحتى سقوط
الخلافة الأموية تعرّض فيه كاتبه لآلاف الآراء ومئات الشخصيات، لا بد أن توجد فيه بعض الأمور والآراء التي تحتاج إلى تصويب دون أن يذهب ذلك بفضله وسبقه وقيمته.
وجد أحمد أمين صعوبة كبيرة في تحليل الحياة العقلية العربية، ويقول في ذلك: "لعل أصعب ما يواجه الباحث في تاريخ أمته هو تاريخ عقلها في نشوئه وارتقائه وتاريخ دينها وما دخله من آراء ومذاهب".
وأنا هنا سأقوم بقراءة لبعض ما جاء في الأبواب (الثاني والثالث والرابع) من هذا الكتاب। والله ولي التوفيق.


الباب الثاني : الإسلام
الفصل الأول : بين الجاهلية والإسلام

· بدأ المؤلف هذا الفصل بتبيين معنى الإسلام وأن له أثراً على العرب من ناحيتين : مباشرة ، وغير مباشرة تتمثل في الامتزاج مع الأمم الأخرى، وقد بين بوضوح معنى الإسلام وكيف مر هذا المصطلح بمراحل خصصته وجعلته الدين الذي أتى به محمد r، وكذلك قسم الإسلام إلى عقائد وأعمال، فأما العقائد فهي أصل الإسلام.
وعرج على نقطة مهمة وهي ضرورة وجود الإله عند جميع الناس، فالإنسان جبل على العبودية مهما كانت فكرة ذلك الإله، حتى ولو أنكر عبوديته فهو يتأله تلك الفكرة ويستلب لها.
قال الله تعالى(أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً).
وأسهب المؤلف في وصف الله تعالى كما ورد في القرآن. وبتفصيل بعض العقائد الأساسية.
ثم انتقل للأعمال وبدأ يفصلها إلى أساسية وأخرى أخلاق سامية يدعو إليها الإسلام، وذكر فيها ما نصه (الإسلام هدم القبيلة، والوحدة الجنسية، وكره التفاضل بشرف القبيلة أو شرف الجنس ....)، فأقول: أن الإسلام لم يهدم الوحدة القبلية أو الجنسية بل هذبها ونظمها (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ولذلك بعث الله نبيه من أشرف قبيلة من قبائل العرب، وكان النبي r دائما ما يقرر ذلك (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ولعل الكاتب لم يحسن التعبير في هذه الجملة، إذ أنه أصاب بالتي بعدها حينما قال أن الإسلام كره التفاضل بالقبيلة والجنس وهذا صحيح.
فالإسلام ارتقى بالعرب عقلياً، وكان له الأثر الكبير في تغيير قيمة الأشياء، وقد ذكر الكاتب أمثلة كثيرة عن الأشياء التي تغيرت عندهم ولكنه أثبت أنه لا بد أن تبقى رواسب للجاهلية في نفوسهم ومن أبرز ما بقي من الجاهلية الفخر بالأنساب والتعصب للقبيلة والجنس، فكانت تظهر بقوة أحياناً إذا بدأ ما يهيجها.
وأقول : لعل هذا من أبرز صفات العرب المستحكمة في نفوسهم، فهم لا يتركون العصبية إلا برادع ديني قوي، وإلا فإن العصبية ستظهر بوضوح وجلاء، ولهذا لما تناسى الصحابة معنى الأخوة في الإسلام صح صائحهم : (يا للمهاجرين ، يا للأنصار) وإذا كان حدث في الجيل الأمثل والنموذج الأسمى في الإسلام فكيف بمن بعدهم؟!
ولو لاحظت العرب الآن وبعد مرور القرون عليهم لم تمح آثار التعصب للقبيلةـ ولعل هذا كما أسلفنا هو من صميم جبلتهم وخلقتهم.
ثم يختم المؤلف هذا الفصل بإبراز النزعات الجاهلية في عهد بني أمية وأنها لم تختف بل ظهرت بجلاء، وهذه النزعات كانت ظاهرة أيضاً في الأدب الأموي.



الفصل الثاني: الفتح الإسلامي وعملية المزج بين الأمم
ثم انتقل في الفصل الثاني إلى بيان أثر الفتح الإسلامي في عملية المزج بين الأمم، وأن المسلمون العرب لما انفتحوا على تلك البلاد، بلاد فارس والروم وما تحويه من حضارة ورقي تأثروا بهم وأثروا بدرجة كبيرة.
ولعل أبرز ما ساعد على عملية التثاقف والمزج:
‌أ) التعاليم الإسلامية للفاتحين.
‌ب) دخول كثير من أهل البلاد المفتوحة في الإسلام.
‌ج) الاختلاط معهم في سكنى البلاد.
وهذه العوامل كان لها أثر على المغلوبين عندما رأوا سماحة الإسلام ووضوح هدفه في القتال، كذلك مما ساعد على المزج بينهم نظام الرق والولاء في الإسلام وقد أسهب وأطال فيه، لكن مفاده أن للإسلام نظام في الرق والعتق، ساعد على ظهور جيل من الموالي في الإسلام كان له دور كبير في إثراء العقلية الإسلامية العربية، فلم يعد البيت العربي عربياً خالصاً، بل كان له رقيق وإماء، فنتج أن دخلت فيهم عناصر فارسية ورومية أو مصرية. بل لم تعد الجزيرة العربية جزيرة للعرب، بل صارت للمسلمين جميعاً.
ومن الطبيعي إذا كانت هذه الأمم أقوى حضارة وأرقى مدنية، أن تؤثر على العرب الأضعف في هذا الجانب، وكذلك العرب لما كانوا أقوى وسيطروا على تلك البلاد عدلوا تلك الحضارات بما يتناسب مع دينهم وقيمهم.
أكد الكاتب في نهاية الفصل أن العقيدة الإسلامية لم تخل من تأثر بهذا الامتزاج، ونفى أن تمحي العقائد الوثنية والمسيحية من قلب المسلم الجديد!! . فلديهم تصورهم السابق عن الكون والإله غير ما يتصورها الآخر. وأيضاً هم لم يفهموا الإسلام بحذافيره كما فهمه العرب ــ كما يقول ــ.
وأقول تعليقاً على ذلك: أن ذلك ليس على إطلاقه، بل حتى العرب الذين عاشوا الجاهلية والإسلام كانت لهم رواسب من الشرك، وبعض الفرس الذين كانوا على الوثنية أسلموا وصفت نفوسهم وعقائدهم، ومعلوم قصة أهل مكة لما خرجوا مع النبي r من مكة لما فتحها، وقالوا اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وفي الجانب الآخر قصة سلمان الفارسي، إذ تنقل بين الوثنية والمسيحية، لكنه لما أخلص صفى قلبه للإسلام الصحيح.
ولست أنفى قول الكاتب جملة ولكن ليس على إطلاقه، وهو يصدق على كثير من الحالات التي دخلت في الإسلام من أمم أخرى، ولعل ما يصدقه أن عقائد الجهمية والقدرية إنما ابتدأت منهم أو ممن تأثر بهم.
أكد أيضاً أن العرب انتصروا في شيئين عظيمين، (اللغة والدين) وهذا شي نؤكده، إذ هما من أبرز عناصر الثقافة والذي يؤثر على الآخر بها، هو الغالب والآخر مغلوب.
الباب الثالث : الفرس وأثرهم
الفصل الأول: دين الفرس

أسهب الكاتب في تفصيل دين الفرس ومذاهبهم، واستنتج أن الفرس بطبيعتهم ميالون إلى عبادة المظاهر الطبيعية، مثل السماء والضوء والنار والشمس. وهي ملاحظة جديرة بالتأمل. وقد تعكس النفس الفارسية وطبيعتها المحبة للطبيعة.
وذكر أن أديانهم الرئيسة ثلاث (الزرادشتية – المانوية – المزدكية)، وفصل في كل دين على حدة وقد استنتج أن بعضاً من أفكار الفرق الإسلامية استمدت أفكارها من هذه الأديان، كالقدر عند المعتزلة وغيرهم، وعند دخولهم في الإسلام صبغوا آراءهم القديمة بصبغة إسلامية، فنظرة الشيعة في علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين من ملوك الفرس، وثنوية الفرس كانوا منبعاً يستقي منه الرافضة في الإسلام.

الفصل الثاني: الأدب الفارسي
فقد رأى الكاتب أن لغة فارس ودينهم اضمحلت بسبب مجيء العربية والإسلام وإحلالها محلهم، ولم يبق منها إلا النزر اليسير ، وكذلك الشعر الفارسي لم يصل منه شيء وقد رجح الكاتب أن الشعر العربي قد قتله!
وقد كان تأثير الأدب الفارسي على العربي من وجوه: منها
أن من تعلم العربية من الفرس سرعان ما ظهر منهم ومن نسلهم شعراء، هؤلاء قد نشؤا نشأة فارسية وتأدبوا بالأدب الفارسي ثم صاغوا أدبهم في القالب العربي فأحكموا التقليد ، ولكن لا يمنع أن تكون بعض معانيهم فارسية وخيالهم روحهم. وذكر نماذج على ذلك.
وقد وصل في نهاية الفصل أن الأدب الفارسي صبغ الأدب العربي صبغة جديدة، وربما كان أدق أن نقول أنهما (تفاعلا).
وأقول أن اللفظ الثاني أولى بل أني أقول أن العربي استفاد من الفارسي وتأثر به لكن لم ينصبغ به وإنما بقي للأدب العربي هويته وشكله।


الباب الرابع: التأثير اليوناني الروماني
الفصل الأول : النصرانية

عندما فتح المسلمون بلاد النصارى، كانوا منقسمين إلى طوائف وكان بينهم جدال عظيم في العقيدة، بسطه المؤلف. لجأت النصرانية إلى الفلسفة اليونانية لتستعين بها على الجدل، ولتؤيد تعاليمها وعقائدها أمام الوثنيين والمسلمين، وكان النصارى على عكس طبيعة الشرقيين ، فالشرقيون والفرس كان من طبيعتهم الغرائب والخوارق العادات والتصوف والتدين، أما النصارى واليونان كان من طبيعتهم الفحص الدقيق والبحث العلمي. والتحليل المنطقي.

الفصل الثاني : الفلسفة اليونانية
في هذا الفصل أسهب في ذكر نشأة الفلسفة اليونانية، وأبرز أفكارهم، وكيف قام السريانيون بنشر الفلسفة اليونانية إلى العراق وما حولها وأنهم كتبوها بلغتهم. ولما دخلت هذه البلاد في الفتح الإسلامي أسلم بعض السريانيين، وظل بعضهم على دينه، فبدأ الضعف يدب إلى الآداب السريانية ومنها الفلسفة اليونانية، ولما جاء عهد الترجمة في بداية العصر العباسي كان لهؤلاء السريان الفضل الأكبر في عملية الترجمة، بالإضافة إلى اختلاطهم أصلاً بالمسلمين مما أدى إلى امتزاج عقليتهم بالعقلية العربية والتلاقح بينهما، ويرى أنها كالثقافة الفارسية التي كانت مبثوثة بين المسلمين في البلدان المختلفة وكان منالهم منها قريباً، إضافة إلى بداية الجدل الديني بين المسلمين والنصارى في العقائد.

الفصل الثالث: الأدب اليوناني والروماني
أكد الكاتب على قوة وكثرة الأدب اليوناني، لكنه تساءل عن عدم تأثير ذلك الأدب على العرب كما أثر الأدب الفارسي مع قلته.
وأرجع ذلك إلى علتين ، الأولى : أن العرب كانوا متعصبين لأدبهم ولم يسمحوا فيه بتغيير ولا بابتكار، أو تحوير في أساسه. الثاني أن الفرس ذابوا في البيئة العربية أكثر من الرومان واليونان.
كما لم ينف الكاتب تأثر العربية بأدبهم ولغتهم مطلقاً بل أرجع استخدام بعض العرب لبعض الكلمات إلى لغة الرومان (كالقسطاس) والبطاقة وغيرها ، وأنا أقول إن بعضها أصيل بالعربية فالقسطاس وردت بالقرآن والبطاقة وردت بحديث البطاقة.

الخلاصة برأيي..
كأن الكاتب يريد أن يقرر في نهاية الأبواب الثلاثة أن :
· للعرب شخصية مستقلة وتراث أصيل هو نتاج بيئتهم الخاصة.
· غلبة العرب على الأمم الأخرى لم تمنع من امتزاجهم بهم، أو تأثر العرب الكامل في بعض النواحي الحضارية.
· التأكيد على أن أساس التفرق الإسلامي كان من الامتزاج بالحضارات الأخرى، وأن الجدل الحاصل في الحضارة الإسلامية وخصوصاً في جانب العقيدة إنما هو تأثر بأولئك.
· أن العقائد الوثنية أو النصرانية لم تمح من الذين دخلوا في الإسلام من فارس والروم، بل بقيت بعض الرواسب بقصد أو بدونه، وأن لها دور سلبياً في الحضارة الإسلامية.
· التأكيد على أن العرب إنما غلبوا الأمم الأخرى بعنصرين مهمين: اللغة والدين وهي التي صبغت الأمم الأخرى بصبغة عربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق