الجمعة، 22 يناير 2010

قراءة في التنوع والوحدة في ثقافة العالم الإسلامي والعربي

قراءة في التنوع والوحدة في ثقافة العالم الإسلامي والعربي


أن التنوع والتعدد والاختلاف هو سنة إلهية كونية في الحياة.. من الجماد إلى النبات إلى الحيوان إلى الإنسان.. و هذه التعددية هي في إطار وحدة الأصل الذي خلقه الله ، سبحانه وتعالى وهو الإنسان .. فالإنسان الذي خلقه الله من نفس واحدة يتنوع إلى شعوب وقبائل وأمم وأجناس وألوان وكذلك إلى شرائع في إطار الدين الواحد .. وإلى ثقافات ،وحضارات وكل ذلك في إطار وحدة الأصل أيضا. كما يتنوع على عادات وتقاليد وأعراف متمايزة حتى داخل الحضارة الواحدة ، بل والثقافة الواحدة .
وهذا التنوع والاختلاف من حيث هو حق للإنسان هو أيضا سنة إلهية (وَمِـنْ آيَاتِهِ خَلْـقُ السَّمـوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُـمْ وَأَلْوَانِكُـمْ إِنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِّلْعَالِمِيـنَ )
(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِـمَ رَبـُّكَ وَلِذَلـِكَ خَلَقَهُـمْ )
هذا إذا تحدثنا عن التنوع والاختلاف في الكون، لكننا إذا أتينا إلى الوحدة أو الصورة الواحدة فإنها عزيزة على مجتمعات البشرية، وذلك لأن الإنسان مفطور على التنوع في جميع شؤونه.
إننا كعرب وكمسلمين يجب أن ننظر إلى هذا التنوع في ثقافة العالم العربي والإسلامي أنها نقطة قوة وليست نقطة ضعف إذا نظرنا إليه باعتباره محفزاً على الإثراء الحضاري والثقافي وعندما يصب باتجاه الاتحاد والقوة. ولكنه في المقابل هو نقمة وضعف إذا نظرنا إلى أننا مختلفين في كل شي ولا يوجد بيننا أي نقاط اتفاق. مما يؤدي إلى زيادة الانقسام والتشظي داخل المجتمع الواحد.
إننا إذا نظرنا إلى واقع العالم العربي والإسلامي وجدنا أن الأغلبية المسلمة السنية هي السائدة فيه ولكننا لن نستطيع أن نغفل الأقليات غير المسلمة المستوطنة فيه. فهناك المسيحيين من كافة طوائفهم وعلى صعيد التنوع المذهبي نجد الشيعة والدروز والعلويين . هذا في الجانب الديني أما الجانب العرقي فكما أن العرب يشكلون جزءا من هذا المجتمع فإنك تجد الأتراك والفرس والأكراد والأمازيغ إلى غير ذلك من الأجناس والأعراق المختلفة اختلافا كبيرا.
لم يعرف أي مجتمع التنوع والتعدد كما عرفه المجتمع العربي والإسلامي ، لأننا إذا أتينا إلى أوربا مثلاً فإننا نجد تنوعا كبيراً ولكن لا يصل إلى تنوع العالم العربي والإسلامي . لأنك تجد في الدين الواحد عدة فرق وفي الفرقة عدة مذاهب وفي وسط المذهب الواحد عدة طرق وفي الطريقة عدة تطبيقات وهكذا، وكذلك في الجانب اللغوي أو العرقي وفي ظني أن الفروقات الجزئية في الجانب اللغوي والعرقي بدأت تتلاشي شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة بعدما غذيت بشكل كبير في العقود المتأخرة. وإن كانت بعض الأدوات الإعلامية إلى يومنا هذا حريصة على أز مثل هذه التوجه.
الوحدة في عالمنا الإسلامي والعربي في نظري لا تتمثل إلا في كوننا عربا أو كوننا مسلمين إذا نظرنا إلى المجتمع العربي والإسلامي كمنظومة واحدة، والتنوع هو السائد فيه فيما دون ذلك ، فالذي يجمعنا هو اللغة والدين مع استثناءات فيها كما أشرنا سابقا، بيد أنها لا تؤثر على هذه الوحدة.
لكن هل كان هذا التنوع يجد قبولا في المجتمع الإسلامي والعربي ؟؟
الناظر إلى تاريخ العالمين العربي والإسلامي يجد بجلاء كيف استطاع أن يحتوي جميع هذه الثقافات والتعددية والمذهبية، وساعدت هي بدورها في تنمية الحضارة الإسلامية يقول أحد الباحثين ((وبالرغم من استمرار الخلافة في البيت العباسي ببغداد زهاء خمسة قرون، لم يجد المسلمون غضاضة في صعود غير العرب إلى قمة السلطة السياسية. بل إن التجربة التاريخية الإسلامية تكاد تكون الوحيدة في التاريخ التي قبلت سلطنة الجند/العبيد، كما هي حالة السلطنة المملوكية)) ويقول أيضا ((وما إن بدأت الحقبة العثمانية الطويلة، حتى طور المسلمون نظام الملل الذي وفر لكل مجموعة دينية استقلالاً كاملاً لإدارة شؤونها الذاتية.
لا يعني هذا أن أوضاع غير المسلمين كانت دائماً مريحة، ولكن الملاحظ على أية حال أن مظاهر التعصب الإسلامي ضد غير المسلمين أو ظلمهم ارتبطت في أغلب الأحيان إما بحاكم ظالم عموماً (للمسلمين وغيرهم) أو بردود فعل على مظالم طويلة المدى أوقعتها أمم أوروبية غير مسلمة بالمسلمين))

وهذا مثال واحد من الأمثلة على سماح الثقافة الإسلامية والعربية بالتعددية إذا كانت تخدم إثراء الحضارة الإسلامية. فالأقباط مثلا ساعدوا في الجهود البحرية الإسلامية منذ وقت مبكر واليهود السريان ساعدوا على حركة الترجمة من اليونانية ولغات أخرى .
وانأ هنا لست بصدد ذكر ما نزلت به شريعة الإسلام من حفظ حق الآخر واحترام كامل حقوقه الاجتماعية والدينية والنفسية. وهو أمر ظاهر لا يمكن لأحد أن يخفيه، لولا أن ممارسات بعض المسلمين شوهت ذاك النظام البديع في حفظ التنوع الثقافي المجتمعي دون إلغاء هوية المجتمع الأصلية.
لكننا نرى أن سمة التعددية والتنوع الثقافي المتزن بدأ يفقد توازنه في العالم العربي والإسلامي منذ أكثر من قرن من الزمان ، ونحن نراها في هذه الأيام تزداد تفاقما وإشكالاً .
فلو مررنا بشكل سريع على العالم العربي والإسلامي لرأينا مثلاً الأزمة الطائفية بين السنة والشيعة، تمتد من شرق العالم الإسلامي إلى وسطه، وهناك أزمة بين الأكراد والعرب أو الترك ، بل إن الناظر إلى المشهد العربي الإسلامي الكبير يكاد يرى حالة انفراط كاملة للأسس التي ارتكزت إليها ظاهرة التنوع في تاريخ المنطقة الطويل.
هذا قراءة سريعة مختصرة لواقع العالم العربي والإسلامي بين ظاهرتي التنوع والوحدة ، ولعنا في الختام أن نعود لنؤكد على أهم الحقائق :
1- التنوع هو حقيقة كونية وسنة إلهية لا يمكن إغفالها أو تهميشها ولا يمكن أن تسود نظرية مجتمع الرأي الواحد، وإن حاول البعض تطبيقها إلا أنها تبقى في عالم النظرية والمثالية.
2- ينبغي أن لا ننظر إلى التنوع في مجتمعنا أنه دخيل أو أنه من المؤامرات الأجنبية، فإن التنوع وجد قبل ذلك. لأن هذا النظر سيحول القضية إلى عراك سياسي إيديولوجي، وسيتسبب في خلق أزمات كبرى.
3- أن اعترافنا بالتنوع لا يعني استغفالها وعدم المعرفة التامة عنها ، بل يجب مراقبة تلك المذهبيات والتنوعات، كي لا تكون سوسا ينخر في المجتمع الواحد، والانتباه لها لا يعني هضم حقوقها ، بل يعني الرؤية الواعية لها باستمرار. ومعرفة كل شيء عن هذه الطوائف والفرق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق