الجمعة، 22 يناير 2010

الماوردي والأحكام السلطانية

الماوردي والاحكام السلطانية

كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية فهو يمثل عصارة فكر الماوردي السياسي وخلاصة خبراته النظرية والميدانية لمعالجة الوضع المضطرب للأمة في عصر الماوردي في ظل ضعف الخلافة وتسلط البويهيين، فهو من خلال أفكاره عمل على معالجة الاختلالات في سياق البناء الاجتماعي الذي يشملها، ولذلك كانت الخلافة الإسلامية نقطة انطلاق محورية للماوردي باعتبارها الشكل التاريخي للسلطة في الإسلام وهي الشكل المتاح حالياً، ويخشى الماوردي أن يتفرّق الناس إذا بدأ النقاش حول شكل السلطة والوقت لا يسعف لإنتاج أشكال جديدة للسلطة، فكان أن سعى لتقويتها واستمرارها بعد تقييمه ونقده الواعي للواقع الذي يعيش فيه، فجاءت أفكاره معبّرة بصدق عال عن إشكاليات ذلك العصر وتضع المعالجات للواقع المضطرب آنذاك.
ويلاحظ أن كتاب الأحكام السلطانية حفل بالنصائح والتحذيرات من مغبة استمرار الواقع البائس للمجتمع والدولة في العهد العباسي في ظل ضعف الخليفة العباسي وتسلّط الأمير البويهي، ويحرك الماوردي في ذلك حرصه على استقرار السلطة واستمرارها وتخلّصها من كل ما يقعد بها، فمعالجته لقضية الخلافة وبيانه لكل ما ينبغي أن تكون عليه، هو في الواقع تحريض للخلافة لكي ترتفع إلى المستوى الذي يريده لها الشرع والمجتمع، وتحريض للمجتمع لكي يعود لسابق عهده، لأن ضعف الخلافة واضطراب كيان المؤسسة السياسية جاء نتيجة لتصدع الجسم المجتمعي إلى كيانات وطوائف إلى جانب أن المجتمع كان واد والخلافة في وادٍ آخر.
ومن أهم مميزات التنظير السياسي للماوردي أنه ينطلق من البناء الاجتماعي والثقافة السائدة خلال الحقبة التي عاشها واستطاع أن يوظف متغيرات عصره مع سوئها لصالح أفكاره السياسية التي ترمي الوصول للدولة الإسلامية الأنموذج نظرياً وعملياً.
كما تتميز أفكار الماوردي السياسية بالترابط والتدرج الموضوعي ابتداء من أدب الدنيا والدين مروراً بنصيحة الملوك وقوانين الوزارة وتسهيل النظر وتعجيل الظفر وانتهاء بالأحكام السلطانية الذي يمثل ثمرة نضوج الفكر السياسي للماوردي.
وتُعد معالجة الماوردي لعقدة إمارة الاستيلاء التي استعصت على الذين سبقوه أو عاصروه هي إحدى الإضافات المتفردة في فكر الماوردي السياسي، فأمارة الاستيلاء كما يقول الماوردي هي: "أن يستولى الأمير بالقوة على بلاد فيقلده الخليفة أمارتها، ويفوض إليه تدبيرها وسياستها فيكون الأمير باستيلائه مستبداً بالسياسة والتدبير، والخليفة بإذنه منفذاً لأحكام الدين، فالماوردي أفلح في إعطاء إمارة الاستيلاء صبغتها الشرعية وصفتها القانونية وحسم الجدل المتطاول حول شرعيتها استناداً على مجموعة من الحجج أهمها استمرارية الشرعية للخلافة ومركزية السلطة وحفظ حقوق الأمة واجتماع الكلمة على الألفة.
وأفكار الماوردي السياسية يلاحظ عليها دائماً أنها مرتبطة بالواقع المجتمعي وبعيدة عن التهويمات الفلسفية أو الشطحات التأملية، والدولة عند الماوردي مرتبطة بالمجتمع وتسير في ركابه وتمثل انعكاساً حقيقياً لما يختلج في داخل المجتمع، فالفكرة السياسية عند الماوردي هي نتاج لما يمور في داخل المجتمع بموضوعية وواقعية مجردة، والماوردي من كل ما طرح في كتاباته يرمي للوصول إلى نظرية عامة في الحكم يمكن تطبيقها عملياً على الواقع لتضع الحلول لمشكلاته وتنهي الاضطراب السائد فيه، لذلك يعتبره الكثيرون واضع الأسس النظرية للحكم في الإسـلام.
ومن أفضل إسهامات الماوردي السياسية أنه بعد تشخيص الواقع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يضع الحلول ويقترح البدائل المناسبة لكل إشكالية، وقد لا يسعفه الواقع المؤلم أن يصرح بالداء فيكتفي بالحديث عن الشكل الأمثل لموطن الداء فيعرف المتابع الحصيف ما يريده الماوردي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق